![](https://utiok.com/wp-content/uploads/2025/01/تعبير-مدرسي-عن-التضامن-1-780x470.jpg)
الأخلاق: جَوْهَرُ الإنسَانِيَّةِ وَأَسَاسُ الحَضَارَةِ
الأخلاق: جَوْهَرُ الإنسَانِيَّةِ وَأَسَاسُ الحَضَارَةِ
الأخلاقُ هِيَ المِعْيارُ الَّذِي يَحْكُمُ سُلُوكَ الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ، وَالمَنْظُومَةُ القِيَمِيَّةُ الَّتِي تَرْبِطُ الإنسَانَ بِرُوحِ الكَرَامَةِ وَالاحْتِرَامِ. لَطَالَمَا كَانَتِ الأَخْلَاقُ مَوْضُوعًا مُحَوْرِيًّا فِي الحِكْمَةِ وَالدِّيْنَ وَالفَلْسَفَةِ، لِأَنَّهَا تُمَثِّلُ الجَانِبَ التَّطْبِيقِيَّ لِلْمَبَادِئِ النَّبِيلَةِ الَّتِي تَسْعَى البَشَرِيَّةُ لِتَحْقِيقِهَا. فَمَا هِيَ الأَخْلَاقُ؟ وَمَا دَوْرُهَا فِي بِنَاءِ الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ؟ وَكَيْفَ نُعَزِّزُهَا فِي ظِلِّ تَحَدِّيَاتِ العَصْرِ؟
مَفْهُومُ الأَخْلَاقِ وَأَهَمِّيَّتُهَا:
الأَخْلَاقُ هِيَ السُّلُوكَاتُ وَالقِيَمُ الَّتِي تَنْظُمُ تَفَاعُلَ الإنسَانِ مَعَ نَفْسِهِ وَمَعَ الآخَرِينَ، مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الحَسَنِ وَالقَبِيحِ، وَالعَدْلِ وَالظُّلْمِ. وَهِيَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ قَوَاعِدَ خَارِجِيَّةٍ تُفْرَضُ عَلَى الفَرْدِ، بَلْ هِيَ انْعِكَاسٌ لِوَعْيِهِ الدَّاخِلِيِّ وَإِيمَانِهِ بِأَهَمِّيَّةِ التَّعَامُلِ بِإِنْسَانِيَّةٍ. فَالأَخْلَاقُ تَشْمَلُ الصِّدْقَ، وَالأَمَانَةَ، وَالتَّوَاضُعَ، وَالرَّحْمَةَ، وَالعَدْلَ، وَغَيْرَهَا مِنَ القِيَمِ الَّتِي تُسَاهِمُ فِي خَلْقِ مُجْتَمَعٍ مُتَمَاسِكٍ.
أَمَّا أَهَمِّيَّتُهَا، فَتَكْمُنُ فِي أَنَّهَا:
- سَدَادُ الفَرْدِ: تُشَكِّلُ الأَخْلَاقُ شَخْصِيَّةَ الإنسَانِ وَتُعَبِّرُ عَنْ سُمُوِّ رُوحِهِ، فَمَنْ يَتَحَلَّى بِهَا يَكُونُ قَدِيرًا عَلَى مُوَاجَهَةِ تَحَدِّيَاتِ الحَيَاةِ بِثَبَاتٍ.
- تَمَاسُكُ المُجْتَمَعِ: بِدُونِ أَخْلَاقٍ تَتَفَكَّكُ الرَّوَابِطُ الاجْتِمَاعِيَّةُ، وَتَسُودُ الفَوْضَى وَالأنَانِيَّةُ.
- أَسَاسُ الحَضَارَةِ: لَمْ تَقُمْ حَضَارَةٌ عَظِيمَةٌ إِلَّا عَلَى أَرْضِيَّةٍ أَخْلَاقِيَّةٍ، فَالعُلَمَاءُ وَالمُصْلِحُونَ كَانُوا دَائِمًا حُماةً لِلْقِيَمِ.
مَصَادِرُ الأَخْلَاقِ:
تَتَنَوَّعُ مَصَادِرُ تَكْوِينِ الأَخْلَاقِ، مِنْهَا:
- الدِّيْنُ: يَلْعَبُ الدِّيْنُ دَوْرًا كَبِيرًا فِي تَأْصِيلِ القِيَمِ الأَخْلَاقِيَّةِ، فَجَمِيعُ الأَدْيَانِ تُحَرِّمُ الكَذِبَ وَالظُّلْمَ وَتَدْعُو إِلَى المَحَبَّةِ وَالعَفْوِ.
- الفَلْسَفَةُ وَالحِكْمَةُ: مِنْ خِلَالِ تَأْمُّلِ الفَلَاسِفَةِ فِي طَبِيعَةِ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، كَمَا فِي أَفْكَارِ أَرِسْطُو وَكَانْتْ.
- الثَّقَافَةُ وَالتَّرْبِيَةُ: تُورِثُ الأُسَرُ وَالمُجْتَمَعَاتُ قِيَمَهَا الأَخْلَاقِيَّةَ مِنْ خِلَالِ التَّعْلِيمِ وَالاقْتِدَاءِ.
- التَّجْرِبَةُ الشَّخْصِيَّةُ: يَسْتَقِي الإنسَانُ أَخْلَاقَهُ أَيْضًا مِنْ خِبْرَتِهِ الحَيَاةِيَّةِ وَتَفَاعُلِهِ مَعَ الآخَرِينَ.
تَحَدِّيَاتُ الأَخْلَاقِ فِي العَصْرِ الحَدِيثِ:
فِي ظِلِّ العَوْلَمَةِ وَالتَّقَدُّمِ التِّكْنُولُوجِيِّ، وَاجَهَتِ الأَخْلَاقُ تَحَدِّيَاتٍ جَدِيدَةٍ، مِثْلَ:
- الانْحِرَافُ القِيَمِيُّ: سُطْوَةُ المَادِّيَّةِ وَالفَرْدَانِيَّةِ عَلَى حِسَابِ القِيَمِ الرُّوحِيَّةِ.
- اخْتِلَاطُ الثَّقَافَاتِ: تَصَادُمُ القِيَمِ بَيْنَ المُجْتَمَعَاتِ يُؤَدِّي إِلَى ارْتِبَاكٍ فِي التَّعَرُّفِ عَلَى الثَّابِتِ الأَخْلَاقِيِّ.
- الأَخْلَاقُ وَالعُلُومُ الحَدِيثَةُ: كَالتَّحَدِّيَاتِ الَّتِي تُثِيرُهَا التِّكْنُولُوجِيَا الْحَيَوِيَّةُ أَوْ الذَّكَاءُ الِاصْطِنَاعِيُّ.
كَيْفَ نُعَزِّزُ الأَخْلَاقَ؟
لِكَيْ تَظَلَّ الأَخْلَاقُ حَيَّةً فِي مُجْتَمَعَاتِنَا، يَجِبُ:
- تَعْزِيزُ التَّرْبِيَةِ الأَخْلَاقِيَّةِ: مِنْ خِلَالِ البَيْتِ وَالمَدْرَسَةِ وَالإعْلَامِ.
- الاقْتِدَاءُ بِالقُدْوَةِ الحَسَنَةِ: فَالإنسَانُ يَتَأثَّرُ بِمَنْ حَوْلَهُ.
- تَشْجِيعُ الحِوَارِ عَنِ الأَخْلَاقِ: بِحَيْثُ لَا تَكُونُ مُجَرَّدَ نَصَائِحَ، بَلْ قَضَايَا تُنَاقَشُ وَتُفْهَمُ.
- تَطْبِيقُ العَدَالَةِ: فَالعَدْلُ يُعَزِّزُ الثِّقَةَ بِالقِيَمِ وَيَحْمِيهَا مِنَ الانْحِلَالِ.
خَاتِمَةٌ:
الأَخْلَاقُ لَيْسَتْ رَفَاهِيَةً، بَلْ هِيَ ضَرُورَةٌ لِاسْتِمْرَارِ البَشَرِيَّةِ بِكَرَامَةٍ. فَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ أَحْمَد شَوْقِي:
«إِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ ♦♦♦ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا».
فَلْنَغْرِسْ هَذِهِ القِيَمَ فِي أَنْفُسِنَا وَأَنْفُسِ أَجْيَالِنَا، لِنَبْنِيَ عَالَمًا يَسُودُهُ الخَيْرُ وَالاسْتِقْرَارُ.