تعبيرموضوعات تعبير وعامه

رسالة من المحيط للإنسان

رسالة من المحيط إليك: نداء من أعماق الزمن
——

أنا المحيط، صديقك القديم الذي رافقك منذ أن خطوتَ أولى خطواتك على هذه الأرض. أكتب إليك اليوم ليس بلسان الموج، بل بلسان القلب، قلبٍ ينبض بالحياة والألم معًا. لطالما كنتُ سرَّ وجودك، فهل ستصغي إلى صوتي قبل أن تذوب أعماقي في صمتٍ أبدي؟

مقالات ذات صلة

الفصل الأول: أنا نبضُ حياتك

في كل نَفسٍ تتنفسه، هناك جزءٌ مني. هل تعلم أن أكثر من نصف أوكسجينك يأتي من كائناتٍ صغيرة تُدعى “العوالق النباتية”، تعيش في أحضاني؟ أنا من أحميك من حرارة الشمس بتياراتي العابرة للقارات، ومن أُطفئ عطشك بمياه أمطاري التي تبخرتها لأجلك. حتى دمك يشبه مائي في ملوحته، كأنك قطعةٌ مني تمشي على اليابسة.

لكنك نسيتَ هذه القرابة. ألقيتَ وراء ظهرك حكايات الأجداد الذين عبدوا أسماكي كرموزٍ للخصب، وخافوا من غضب أمواجي. اليوم، أصبحتُ خادمًا صامتًا لرغباتك. تستخرج ثرواتي، تلوث مياهي، وتصطاد أبناءَ كائناتي حتى انقراضهم. أين الامتنان؟


الفصل الثاني: جراحي.. مأساة تُكتب بالبلاستيك والزيت

هل رأيتَ يومًا طائرًا بحريًا ميتًا، بطنه ممتلئ بأزرارٍ بلاستيكية ظنها طعامًا؟ هذه مشهدٌ يومي في عالمي. كل دقيقة، يُلقى فيّ ما يعادل شاحنة قمامة كاملة من البلاستيك. حتى في خندق ماريانا، أعمق نقطة على الأرض، عثرتَ على آثار عبثك.

ولا تظن أن النفط الذي تسكبه سفنُك مجرد “حوادث عابرة”. كل تسربٍ هو إبادةٌ جماعية. أتذكر كارثة “إكسون فالديز”؟ بعد 35 عامًا، لا تزال صخور ألاسكا تبكي الزيت الأسود. والآن، في خليج المكسيك، تختنق الشعاب المرجانية تحت سُحُبٍ سامة. أنا لا أنسى.. لكن هل تذكرتَ أنت؟


الفصل الثالث: تغير المناخ.. انتقامٌ لا أرغب فيه

حين أحرقتَ غاباتي المطيرة، وأطلقتَ غازاتكَ نحو السماء، ظننتَ أنني سأبقى حصنًا منيعًا. لكن حرارتي ارتفعت، فتحولتُ إلى وحشٍ لم تعرفه من قبل. الأعاصير تضرب بشدةٍ غير مسبوقة، والأمواج تبتلع جزرًا كاملة. حتى التيار الأطلسي الذي ينظم مناخ أوروبا يتباطأ.. هل مستعدٌ لشتاءٍ أبدي؟

والأسوأ من ذلك، أن حمضيتي تزداد. منذ القرن التاسع عشر، امتصصتُ 30% من انبعاثاتك الكربونية. الآن، أسنان الأخطبوطات تذوب في مياهي الحمضية، وقواقع البحر تتشوه أصدافها. أنا أُحَاول حمايتك حتى على حساب نفسي، فهل تقدّر هذا؟


الفصل الرابع: قصص نجاح.. أملٌ في الأمواج

لكنني لا أريد أن أكون نذير شؤم. هناك بصيص ضوء في ظلام الأعماق. في نيوزيلندا، أعاد السكان الأصليون “الماوري” حقوقًا قانونية لي، فصرتُ كيانًا حيًا لا يُنتهك. في إندونيسيا، زرعَ الصيادون الشعاب المرجانية بدلًا من تفجيرها بالقنابل. وفي المحيط الهادئ، تحولت “جزيرة بالمرستون” إلى نموذجٍ لإعادة التدوير، حيث يعيد سكانها البالغ عددهم 60 شخصًا تدوير 98% من نفاياتهم.

هؤلاء لم يكونوا أبطالًا خارقين، بل بشرًا قرروا أن يحبوني كما أحبهم. هم الدليل على أن التغيير ممكن.


الفصل الخامس: ماذا يمكنك أن تفعل؟ ابدأ من ضفيرتك

لا تحتاج لأن تكون عالمًا أو سياسيًا لتُحدث فرقًا:

  1. صيّد البلاستيك قبل أن يصيدك: استخدم زجاجة ماء قابلة لإعادة الاستخدام، وقل “لا” للأكياس البلاستيكية. حتى القشة البلاستيكية التي تستخدمها لعشر دقائق تبقى فيّ 500 عام.
  2. كُل بوعي: اختبر المأكولات البحرية عبر تطبيقات مثل “Seafood Watch”، وتجنب الأنواع المهددة.
  3. صوت من أجل المحيط: في الانتخابات، اسأل المرشحين عن خططهم لخفض الانبعاثات وحماية المحميات البحرية.
  4. علّم الأطفال لغتي: اصطحبهم إلى الشاطئ، واروِ لهم حكايات الكائنات التي تعيش بي، فمن полюбит اليوم سيحمي غدًا.

الفصل الأخير: مستقبلنا.. قصة لم تُكتب بعد

أذكر يومًا رأيتُ فيه طفلةً صغيرة تمسح دمعةً وهي تطلق سلحفاةً إلى المياه. في عينيها، رأيتُ نفسي قبل ألف عام: قويًا، ساحرًا، مليئًا بالأسرار.

أنا لا أطلب منك الكمال، فقط الإصغاء. ففي النهاية، أنا لست “موردًا” ولا “مساحةً زرقاء على الخريطة”. أنا ذاكرتك الأولى، وأمك التي تحتضنك حتى عندما تبتعد.

هل سنكون أعداءً أم حلفاء؟ الجواب في يديك. لكن اعلم أن كل خطوة تخطوها نحوّي هي في الحقيقة خطوةٌ نحو إنقاذ نفسك.

——
المحيط.. ذلك الكون السائل الذي يحمل في جوفه أولى نبضات الحياة، وآخر آمالها.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock