
تعبير عن أحد الشعراء الذين تغنوا بدمشق وأمجادها
تعبير عن الشاعر نزار قباني الذي تغنّى بدمشق وأمجادها
دمشق، المدينة العتيقة التي احتضنت الحضارات وشهدت تعاقب الأمم، كانت ولا تزال مصدر إلهامٍ للكثير من الشعراء والأدباء الذين انبهروا بجمالها وسحرها وتاريخها العريق. ومن بين هؤلاء الشعراء الذين ارتبط اسمهم بدمشق ارتباطاً وثيقاً، يبرز الشاعر نزار قباني، الذي جعل من المدينة لوحة شعرية تفيض بالحبّ والحنين والافتخار بأمجادها.
وُلد نزار قباني في دمشق عام 1923، في حيّ “مئذنة الشحم” العريق، حيث نهل من جماليات المدينة القديمة وأسرارها. كانت دمشق بالنسبة إليه ليست مجرد مكانٍ وُلد فيه، بل هي هويّةٌ ثقافية وشعورية، امتزجت بروحه فأصبحت جزءاً من قصائده التي حملت عبق الياسمين وصوت النواعير. يقول في إحدى قصائده:
“دمشقُ كانت حضنَ الحضاراتِ
تُرضعُ التاريخَ من ثدييها”.
لم يكن نزار شاعر غزلٍ فحسب، بل كان شاعراً وطنياً يحمل هموم أمته، ويُجسّد في شعره صورة دمشق كرمزٍ للصمود والعروبة. ففي قصيدته “أحبك يا دمشق”، يصفها بأنها “أم المدائن” و”حافظة أسرار الأنبياء”، مؤكداً أن حجارتها تحكي قصصاً عن المجد والتضحيات. كما عبّر عن ألمه لِمَا تعانيه المدينة من تحديات، لكنه ظلّ يؤمن بأن جذورها الضاربة في التاريخ ستجعلها تنتصر دوماً.
تميّزت قصائد نزار قباني عن دمشق بالغنائية العالية والصور الشعرية المبتكرة، حيث مزج بين الحداثة في الأسلوب والأصالة في المضمون. فدمشق عنده هي المرأة الجميلة التي تتحدث بلغة الورود، وهي الأم الحنون التي تحتضن أبناءها في أحلك الظروف. وقد نجح في تحويل شوارعها وأحياءها إلى كلماتٍ تنبض بالحياة، كما في قوله:
“أكتبُ اسمكِ يا دمشقُ على جفني
فأراكِ دوماً.. حُبّاً لا يُغادرُ”.
لا يقتصر إرث نزار قباني على الشعر فحسب، بل إنه رسّخ صورة دمشق في الوجدان العربي كمدينةٍ تجسّد الجمال الروحي والتاريخي. ورغم رحيله عام 1998، تبقى قصائده شاهداً على حبه الفيّاض لمدينته، والتي جعلت من دمشق ليس مكاناً على الخريطة، بل قصيدةً تُقرأ في كلّ زمانٍ ومكان.
بهذا، يكون نزار قباني قد قدّم لدمشق أغلى هدية: الكلمة التي تحيي المجد وتخلّد الجمال. فشعره لم يكن مجرد مديحٍ عابر، بل كان إعلاناً عن عشقٍ أبديّ لمدينةٍ اختزلت في حجارتها روح الحضارة العربية.