تعبير عن الأخلاق

تعبير عن الأخلاق

الأخلاقُ هي الجوهرُ الذي يُحدِّدُ قِيمةَ الإنسانِ، والمِقياسُ الذي تُقاسُ بهِ أُممٌ بأكملِها. فهي ليست مجردَ قواعدَ جامدةً، بل هيَ روحُ التعامُلِ بينَ الناسِ، وَسِرُّ استمرارِ التَّراحُمِ والتَّعاوُنِ في المُجتمعِ. قالَ الشاعرُ أحمد شوقي: “وَإِنَّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ ۞ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخلاقُهُمْ ذَهَبُوا”، فَالأخلاقُ هيَ الأساسُ الذي تُبنى عليهِ الحضاراتُ، وَبِها تَعلو الأُمَمُ أو تَسقُطُ.

الأخلاقُ وَبناءُ الشخصيةِ

تَبدأُ الأخلاقُ مِنَ الفَردِ؛ فهيَ تَصنعُ شخصيتَهُ وَتُشكِّلُ سُلوكَهُ. فالإنسانُ الْخلوقُ يَكتسبُ احترامَ الآخرينَ دونَ حاجةٍ إلى مالٍ أو جاهٍ، لأنَّ كَلِماتِهِ الصادقةَ وَأَفعالَهُ النبيلةَ تَتركُ أثرًا طيبًا في القلوبِ. وَمِنْ هنا، كانَ الْحِكْمِيُّ يَقُولُ: “خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ”، فَالتَّحلِّي بِالصِّدقِ وَالأمانةِ وَالتَّواضُعِ يَجعلُ مِنَ الفَردِ نُموذجًا يُحتذى بهِ.

الأخلاقُ وَتَماسُكُ المُجتمعِ

لا يَقِفُ تأثيرُ الأخلاقِ عِندَ الفَردِ، بل يَمتدُّ لِيَكونَ عِمادًا لِلمُجتمعِ. فالمُجتمعُ الَّذي يَنتشِرُ فيهِ الْعدلُ وَالإحسانُ وَالتَّعاوُنُ يَكونُ مُجتمعًا قَوِيًّا، قادرًا على مُواجَهةِ التَّحدِّياتِ. بِالمُقابِلِ، فإنَّ انْحِدارَ الأخلاقِ يُؤدِّي إلى انْهِيارِ الثِّقةِ بَينَ الأفرادِ، وَظُهورِ الْكَراهيةِ وَالْفَوضَى. لِذلِكَ، كانَ دَورُ التَّربيةِ الأخلاقيةِ في المَنازِلِ وَالمَدارِسِ جَوْهَرِيًّا لِصِيانَةِ هَذا التَّماسُكِ.

المنظورُ الدِّينيُّ وَالأخلاقُ

في الإسْلامِ، تَحظى الأخلاقُ بِمَكانةٍ عَظيمةٍ، حيثُ جَعَلَها الرَّسولُ ﷺ هَدَفًا لِبَعثتِهِ، فَقالَ: “إِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخلاقِ”. وَالقُرآنُ الكَريمُ يَزخَرُ بِالآياتِ الَّتي تَحُثُّ عَلَى الْعَفْوِ وَالإحسانِ، مِثلَ قَولِهِ تَعالى: “وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (التغابن: 14). وَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ تَحكِي لَنا أَمثِلَةً رائعةً عَنِ الرَّحمةِ وَالْعَدلِ، كَتَبَسُّطِ النَّبيِّ ﷺ مَعَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَعَفْوِهِ عَنِ الأعداءِ.

خاتمةٌ: الأخلاقُ.. بَوصِلَةُ الإنسانيةِ

في عَصرِ الْتِقْنِيَةِ وَالْعَوْلَمَةِ، تَبقى الأخلاقُ هِيَ البَوصِلَةَ الَّتي تَهدِي الإنسانيةَ إلى البَرِّ الآمِنِ. فَبِها نَحفَظُ إِنْسانِيَّتَنا، وَنَبْنِي عالَمًا يَملؤُهُ الْأَمْنُ وَالْإِخاءُ. لِنَكنْ جميعًا سُفَراءَ لِلْخُلُقِ الْحَسَنِ، نَنْشُرُهُ في كُلِّ مَكانٍ، فَكَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: “مَكارِمُ الأخلاقِ خِصْلَةٌ تُغنِي، وَلا يَغْنِي عَنْها غِنًى”.


هذا التعبيرُ يَجمعُ بَينَ التَّعريفِ بِالأخلاقِ، وَبَيانِ أَهميتِها فِي حَياةِ الفَردِ وَالمُجتمعِ، مَعَ الاسْتِشهادِ بِالنُّصوصِ الدِّينيةِ وَالْحِكَمِ التَّارِيخيةِ لِتَأكيدِ قِيمَتِها الخالِدةِ.

Exit mobile version