
تعبير عن الطائرة
الطائرة: تحفة الهندسة وَمِثالُ الإرادة الإنسانية
منذُ أنْ حَلَّقَتْ أولُ طائرةٍ بقيادةِ الأخوين رايت عام 1903، غَيَّرَتِ الطائراتُ وجهَ العالَم، لِتُحوِّلَهُ إلى قَرْيَةٍ صغيرةٍ تَتخطَّى الحُدودَ وَالمَسافات. فَهِيَ لَيْسَتْ مَجَرَّدَ آلةٍ مِنْ فولاذٍ وَمُحرِّكات، بَلْ هِيَ حُلْمٌ بِتَحْطيمِ القُيود، وَشَاهِدٌ عَلَى إبداعِ الإنسانِ فِي تَحدِّي الجاذِبِيةِ وَالْوصُولِ إلَى السَّماء.
عِندَمَا تَنهَضُ الطائرةُ بِجَسَامَتِها مِنَ المدرَّج، كَأنَّها تَستَلْهِمُ طَيْرَ النَّسْرِ الْعَتِيد؛ تُحَطِّمُ صَمْتَ الأجْواءِ بِزَمْجَرَةِ مُحرِّكاتِها، لِتَرْسُمَ فِي السَّحابِ خُطُوطاً بَيضاءَ تَحْمِلُ بَينَ طَيَّاتِها آمالَ المُسافِرينَ وَشَوْقَ الْعائِدين. فَكُلُّ إقلاعٍ هُوَ رِحْلَةٌ جَديدةٌ، وَكُلُّ هُبُوطٍ هُوَ لِقاءٌ مُبْتَهَجٌ.
لِلطَّائرةِ لُغَةٌ خَاصَّةٌ؛ لُغَةُ السَّرْعَةِ وَالدِّقَّةِ، حَيْثُ تَتَحَاوَلُ قِوى الطَّبِيعَةِ مِثْلَ الجاذِبِيةِ وَالاحتِكاكِ، لِتُحَقِّقَ مُعْجِزَةَ الْحَرَكةِ فِي الفَضاء. فَبِفَضْلِ الْحِسابَاتِ الدَّقيقَةِ لِلرِّفَافِ وَالدَّفْعِ، تَتَحَوَّلُ الطَّائرةُ إلَى جَناحٍ ضَخْمٍ يَحْمِلُ الْبَشَرَ وَأَحْلامَهُم.
لَقَدْ قَرَّبَتِ الطَّائراتُ الشُّعُوب، وَجَعَلَتِ الْعَالَمَ مَكَاناً أَكْثَرَ تَواصُلاً. فَبَعْدَ أنْ كَانَتْ الرِّحْلَةُ بَيْنَ الْقارَّاتِ تَسْتَغْرِقُ أَشْهُراً، أَصْبَحَتْ أَمْراً مُمْكِناً فِي سَاعات. هَذَا التَّقَدُّمُ لَمْ يُغَيِّرْ فَقَطْ طَريقَةَ السَّفَر، بَلْ أَثَّرَ فِي الثَّقافاتِ وَالاقْتِصادِ، وَفَتْحَ أَبْوابَ السِّياحَةِ وَالتِّجارةِ العالَمِيَّة.
لَكِنَّ الطَّائرةَ تَذْكِرُنا أَيْضاً بِهَشاشَةِ الْكَوْن؛ فَمِنْ عَلْياءَ السَّماء، نَرَى الأرْضَ كَكُرَةٍ زُرْقاءَ هَشَّة، تُذَكِّرُنا بِضَرورةِ حِمايَتِها. وَرُبَّما هُنا تَكْمُنُ مُفارَقَةُ الْحَضارَةِ: تِلْكَ الآلَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي تَصْهَرُ الْحديدَ، تَحْمِلُ فِي قَلْبِها رِسالَةَ تَواضُعِ الإِنْسانِ أَمامَ جَبَروتِ الطَّبيعةِ.
فِي النِّهايَة، الطَّائرةُ لَيْسَتْ مَجَرَّدَ وَسيلَةِ نَقْل، بَلْ هِيَ أُحْجِيَةٌ عِلْمِيَّة، وَقِصَّةُ إِصرارٍ إِنْساني، وَمَصْدَرُ إِلهامٍ لِكُلِّ مَنْ يُحَلِّقُ بِخَيالِهِ فَوْقَ سُحُبِ المُسْتَحيل.