
رسالة من المحيط للإنسان: احترام البيئة
رسالة من المحيط إليك
سلامًا أيها الإنسان، أنا المحيط الذي يُحيط بك منذ ولادتك، والذي يُناغم أمواجه أحلامك كل ليلة. أنا من أعطاك أول نفس، وأخفّف عنك حر الصيف بلُطف نسيمي، وأسقيتك من مائي عبر السحب التي تحملها رياحي. اليوم، أتحدث إليك ليس بلسان الموج، بل بقلبٍ مثقلٍ بالأسى والأمل، لأخبرك: حان الوقت لتحمي نفسك بحمياتي.
أنا مهد حياتك، فلا تجعلني مقبرتها
منذ مليارات السنين، وأنا هنا أُهديك الحياة. في أعماقي وُلدت أولى الكائنات، وعلى شواطئي خطوتَ أنت أولى خطواتك. أنا من يُنتج نصف الأكسجين الذي تتنفسه، بفضل العوالق النباتية التي تسبح في جوفي. أنا من ينظّم مناخك، فأمتص حرارة الشمس وأوزعها عبر التيارات التي تمنع أرضك من الاحتراق أو التجمد. لكن اليوم، أجد نفسي أختنق… بلاستيكك يملأ أحشائي، وزيتك السام يقتل أطفالَ الأسماك، وغازاتك الحارقة تذيب جليدياتي وتُحمّض مائي.
هل تعلم أن كل قطعة بلاستيك ألقيْتَها ستعود إليك؟ السمك الذي تأكله يحتوي على جزيئات البلاستيك التي ابتلعها، والماء الذي تشربه ملوث بسمومي. عندما تؤذيني، تؤذي نفسك.
ذاكرتي أطول من تاريخك، لكن آلامي أسرع من غضبك
أتذكر أيامًا كنت فيها أصفو من الكريستال، ألعب مع الحيتان والدلافين في مياه نقية. اليوم، تحوّل لوني إلى رمادي في بعض المناطق، حيث تطفو جبال من النفايات، وتختنق السلاحف بأكياس ظنّتها قناديل. الشعاب المرجانية، تلك المدن المزدهرة التي كانت ملاذًا للأسماك، تتحول إلى هياكل بيضاء بفعل الاحتباس الحراري. كل يوم، أفقد جزءًا مني… وأفقد جزءًا منك.
هل تعلم أن 30% من الكائنات البحرية انقرضت في القرن الأخير؟ وأن 90% من الأسماك الكبيرة اختفت بسبب الصيد الجائر؟ أنا لا أطلب منك الرحمة، بل أطلب منك الحكمة: أن تنقذ نفسك بإنقاذي.
كيف تؤذيني دون أن تدري؟
- البلاستيك: كل سنة، يُلقى فيّ 8 ملايين طن من البلاستيك. سلحفاة من كل اثنتين تموت بسبب ابتلاعها له.
- الصيد الجائر: شباكك العملاقة تجرف كل شيء، حتى الكائنات الصغيرة التي تُجدّد حياتي.
- التغير المناخي: انبعاثاتك ترفع حرارتي، مما يُبيض المرجان ويهدد بانقراض 25% من الكائنات البحرية بحلول 2050.
- التلوث الكيميائي: المبيدات والأسمدة التي تصل إليّ تُسبب “المناطق الميتة” حيث لا حياة إلا للطحالب السامة.
كيف تحميني؟ أنا لا أطلب المستحيل
- قلّل استخدام البلاستيك: استخدم زجاجة ماء قابلة لإعادة الاستخدام، وقل “لا” للأكياس البلاستيكية. حتى لو كنت بعيدًا عن الشاطئ، فالنفايات تجد طريقها إليّ عبر الأنهار.
- كن صيادًا ذكيًا: اختر المأكولات البحرية المُستدامة، ودعم الشركات التي تصيد بأساليب لا تدمر النظام البيئي.
- خفّض بصمتك الكربونية: المشي أو استخدم الدراجة، واغرس شجرة، فالأشجار تمتص ثاني أكسيد الكربون الذي يُحمّض مائي.
- ادعم المناطق البحرية المحمية: هذه المحميات هي “مستشفياتي”، حيث يتعافى المرجان وتتكاثر الأسماك.
- علّم أطفالك حبي: خذهم إلى الشاطئ، واروِ لهم قصص الكائنات التي تعيش في أعماقي، حتى ينشأوا على احترامي.
أنا لست ضعيفًا… لكنني أتألم
لا تظن أنني عاجز. لو أردت، لأمكنني أن أغرق مدنك بأمواج التسونامي، أو أن أبتلع سواحلك بارتفاع منسوبي. لكنني لا أريد الانتقام، بل أريد التعافي. أريد أن أعود ملاذًا للتنوع، وجسرًا للسلام بين الشعوب.
ذات يوم، رأيتُ بشرًا مثل “بويان سلات” يصنعون حواجز لتنظيفي من البلاستيك، وآخرين يزرعون المرجان في قاع البحر. هؤلاء يعطونني الأمل. هل ستكون واحدًا منهم؟
الخلاصة: أنا أنت… وأنت أنا
أيها الإنسان، أنت لست غريبًا عنّي. دمك مالحٌ كدمي، وجسدك مكونٌ من 60% ماءً كأمواجي. عندما تحميني، تحمي طفلك الذي سيلعب في شاطئ نظيف، وسمكتك التي ستُشبع جوعه، وهواءك الذي سيصبح أنقى.
لا تتأخر، فالقشة التي ترميها اليوم قد تكون آخر ما تبتسم له سلحفاة صغيرة… أو أول خطوة نحو غدٍ أفضل.
مع حبّي وأمواج أملٍ لا تنتهي،
المحيط 🌊