تعبيرموضوعات تعبير وعامه

إنشاء عن العراق والآثار المقدسة به

العراق وكنوزه الأثرية المقدسة: جسرٌ بين الحضارات والأديان

تُعتبر العراق، التي تُلقب بـ”مهد الحضارات”، واحدة من أقدم المناطق المأهولة في العالم، حيث شهدت ولادة بعضٍ من أعظم الإنجازات الإنسانية في التاريخ. تقع هذه الأرض بين نهري دجلة والفرات، وتُشكل قلب “بلاد ما بين النهرين”، التي أطلقت منها الحضارات الأولى شرارةَ التطور البشري في مجالات الكتابة، والقانون، والزراعة، والعمارة. لكن العراق ليس مجرد متحفٍ مفتوحٍ للتاريخ القديم؛ فهو أيضًا أرضٌ للمقدسات الدينية التي تجسّد تعايشًا فريدًا بين الثقافات والأديان عبر العصور.

إرث الحضارات القديمة: من السومريين إلى البابليين

بدأت قصة العراق مع الحضارة السومرية (4000–2000 ق.م)، التي أسست أولى المدن المُخططّة مثل أور وأوروك. في أور، ما يزال الزقورة الشاهدة على عبادة الإله “نانا” قائمةً كرمزٍ للارتباط بين الأرض والسماء. أما بابل، عاصمة الإمبراطورية البابلية (1894–539 ق.م)، فقد أبهَرت العالم بحدائقها المعلقة الأسطورية وبوابة عشتار المزينة بتماثيل الثيران والتنانين، والتي تعكس تطور الفنون والعقائد. ولا يُمكن نسيان إرث الآشوريين في نينوى ونمرود، حيث تُجسّد المنحوتات والكتبة المسمارية قوة إمبراطورية امتدت من الخليج إلى البحر المتوسط.

المقدسات الدينية: تعايش الأديان

تمتزج في العراق قدسيةُ الأماكن الدينية بتنوعها. فإلى جانب المعابد الوثنية القديمة، تحوي البلاد مواقعًا ذات أهمية دينية عميقة لأتباع الديانات السماوية. في مدينة النجف، يقع مرقد الإمام علي بن أبي طالب، المركز الروحي للشيعة في العالم، بينما تُعد كربلاء رمزًا للتضحية بضريح الإمام الحسين. أما في سامراء، فإن المئذنة الملوية الشهيرة لجامع الخليفة المتوكل تُذكر بعصر ازدهار العمارة الإسلامية العباسية. ولا يُغفل عن المسيحيين العراقيين، الذين يحجون إلى كنائس تاريخية مثل كنيسة الطاهرة في الموصل، أو أديرة كرسي مار متي في جبال شمال العراق.

التحديات: بين النهب والدمار

واجهت الآثار العراقية تحديات جسيمة، بدءًا من النهب خلال الحروب، كالذي تعرضت له متاحف بغداد عام 2003، وصولًا إلى التدمير الممنهج من قبل تنظيم “داعش” بين 2014–2017، الذي دمّر آثار نمرود والموصل، بما فيها بوابة نركال الآشورية. كما تهدد العوامل البيئية، كالتملح والفيضانات، مواقعَ أثريةً مثل أوروك.

جهود الحفظ وإحياء التراث

رغم الدمار، تُبذل جهود محلية ودولية لإنقاذ التراث العراقي. فبرنامج اليونسكو “إحياء روح الموصل” يساهم في ترميم المساجد والكنائس، بينما تعاونت جامعات عالمية مع خبراء عراقيين لإعادة بناء آثار نمرود رقميًا. كما استعاد العراق آلاف القطع الأثرية المهربة، مثل لوحة “ملكة الليل” البابلية. وفي 2023، أُدرجت الأهوار الجنوبية، مع مدنها القديمة، على لائحة التراث العالمي، كشاهدٍ على ثقافة “معدان” العريقة.

خاتمة: تراثٌ للإنسانية جمعاء

العراق ليست مجرد أرضٍ للماضي، بل هي جسرٌ بين العصور، تُذكر العالم بأن الحضارة الإنسانية قامت على التبادل الثقافي والتسامح الديني. حماية آثارها المقدسة ليست مسؤولية العراقيين وحدهم، بل هي واجبٌ عالمي، لأن في إنقاذ هذه الكنوز إنقاذًا لذاكرة البشرية المشتركة. وكما قال الشاعر العراقي بلند الحيدري: “العراقُ كتابٌ مفتوح على جبين الزمن، كل حجرٍ فيه يحكي قصةً لا تنتهي”.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock