الأمُّ: مَصْدَرُ الحَنَانِ وَأَسَاسُ البِنَاءِ الإِنْسَانِيِّ
لَطَالَمَا كَانَتِ الأُمُّ رَمْزًا لِلْعَطَاءِ الَّذِي لَا يَنْضُبِ، وَالْوُجُودُ الَّذِي يَحْمِلُ فِي طِيَّاتِهِ مَعْنَى الْحَيَاةِ بِأَكْمَلِهَا. فَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تَنْبُتُ فِيهَا الْقِيَمُ، وَالسَّمَاءُ الَّتِي تُظِلُّ الْأَجْيَالَ بِالْحُبِّ وَالْأَمْنِ. لَيْسَتِ الْأُمُّ مُجَرَّدَ وَالِدَةٍ، بَلْ هِيَ مَصْدَرُ الْإِنْسَانِيَّةِ الْأَوَّلُ، وَالْحَاضِنَةُ الْأَعْظَمُ لِلسُّلُوكِ وَالْهَوِيَّةِ. فَكَيْفَ تُشَكِّلُ الْأُمُّ عَالَمَنَا؟ وَمَا دَوْرُهَا فِي صِنَاعَةِ الْمُجْتَمَعِ؟
مَفْهُومُ الْأُمُومَةِ وَأَهَمِّيَّتُهَا:
الْأُمُومَةُ لَيْسَتْ وَظِيفَةً جَسَدِيَّةً فَقَطْ، بَلْ هِيَ رِحْلَةٌ مِنَ الْعَطَاءِ الرُّوحِيِّ وَالْعَاطِفِيِّ تَبْدَأُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَتَسْتَمِرُّ طَوَالَ الْعُمُرِ. فَالْأُمُّ تَحْمِلُ فِي قَلْبِهَا أَمَلَ الْحَيَاةِ، وَفِي يَدَيْهَا قُدْرَةً عَلَى صِنَاعَةِ إِنْسَانٍ قَادِرٍ عَلَى الْإِبْدَاعِ وَالْعَطَاءِ.
أَهَمِّيَّتُهَا:
- رَكِيزَةُ الْأُسْرَةِ: الْأُمُّ هِيَ الْقُطْبُ الَّذِي يَجْمَعُ شَمْلَ الْعَائِلَةِ، وَتُحَوِّلُ الْبَيْتَ إِلَى مَلْجَأٍ مِنَ الدَّفْءِ وَالْإِيمَانِ.
- صِنَاعَةُ الْهُوِيَّةِ: مِنْ لُغَتِنَا الْأُولَى إِلَى قِيَمِنَا الْأَسَاسِيَّةِ، كُلُّ شَيْءٍ نَحْمِلُهُ نَابِعٌ مِنْ أُمِّنَا.
- حَارِسَةُ التَّرَاثِ: تَنْقُلُ الْأُمُّ تَرَاثَ الْأَجْدَادِ وَحِكْمَةَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى أَبْنَائِهَا بِحُبٍّ وَإِصْرَارٍ.
دَوْرُ الْأُمِّ فِي بِنَاءِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ:
- فِي تَرْبِيَةِ الْفَرْدِ: تَغْرِسُ الْأُمُّ فِي وَلَدِهَا ثِقَةَ النَّفْسِ، وَتَعْلَمُهُ الْإِحْسَانَ، وَتَرْشِدُهُ إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ. قَالَ الشَّاعِرُ حَافِظُ إِبْرَاهِيمُ:
«الْأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا ♦♦♦ أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيِّبَ الْأَعْرَاقِ». - فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ: كُلَّمَا كَانَتِ الْأُمُّ مُثَقَّفَةً وَوَاعِيَةً، كَانَ الْمُجْتَمَعُ أَقْوَمَ وَأَقْدَرَ عَلَى مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ.
تَحَدِّيَاتُ تُوَاجِهُ الْأُمَّ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ:
- الْعَوْلَمَةُ وَتَأْثِيرُهَا: صُعُوبَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْوَالِدِيَّةِ فِي ظِلِّ نِظَامٍ يَطْلُبُ الْإِنْجَازَ الْمَادِّيَّ عَلَى حِسَابِ الْقِيَمِ.
- الْإِنْفِتَاحُ الثَّقَافِيُّ: تَصَادُمُ الْقِيَمِ بَيْنَ تَارِيخِ الْأُمِّ الْعَتِيقِ وَمُتْطَلَّبَاتِ الْحَيَاةِ الْحَدِيثَةِ.
- الضَّغُوطُ النَّفْسِيَّةُ: كَثْرَةُ الْمَسْؤُولِيَّاتِ قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى صِحَّةِ الْأُمِّ الْعَاطِفِيَّةِ.
كَيْفَ نُدَافِعُ عَنِ الْأُمِّ وَنُعَزِّزُ دَوْرَهَا؟
- تَقْدِيرٌ مَادِّيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ: بِتَوْفِيرِ دَعْمٍ اجْتِمَاعِيٍّ وَقَانُونِيٍّ يُخَفِّفُ عَنْهَا أَعْبَاءَ الْحَيَاةِ.
- تَعْلِيمٌ وَتَمْكِينٌ: تَأْهِيلُ الْأُمَّهَاتِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْمَهَارَاتِ لِيَكُنَّ قُوَّةً فَاعِلَةً.
- الْحِفَاظُ عَلَى تَرَاثِهَا: بِإِحْيَاءِ دَوْرِهَا فِي حِفْظِ اللُّغَةِ وَالتَّرَاثِ.
- الِاقْتِدَاءُ بِرُوحِهَا: أَنْ نَكُونَ أَبْنَاءً يُجَسِّدُونَ قِيَمَهَا فِي الْإِحْسَانِ وَالْعَطَاءِ.
خَاتِمَةٌ:
الْأُمُّ هِيَ الْوُجُودُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُهُ، وَالَّتِي قَالَ فِيهَا الرَّسُولُ ﷺ: «الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْأُمَّهَاتِ». فَلْنُكْرِمْهَا لَيْسَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، بَلْ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، وَلْنَذْكُرْ دَائِمًا أَنَّ الْحَضَارَاتِ لَا تَبْنِيَهَا الْإِنَاجِيلُ وَحْدَهَا، بَلْ تَبْنِيهَا أَيْدِي الْأُمَّهَاتِ قَبْلَ الْكِتَابِ.