مَقَالٌ عَنْ شَهْرِ شَعْبَانَ كامل
مُقَدِّمَةٌ:
شَهْرُ شَعْبَانَ هُوَ الشَّهْرُ الثَّامِنُ فِي التَّقْوِيمِ الهِجْرِيِّ، يَأْتِي بَعْدَ رَجَبَ وَقَبْلَ رَمَضَانَ. وَهُوَ شَهْرٌ تَغْفُلُ النُّفُوسُ فِيهِ عَنْ العِبَادَةِ لِانْشِغَالِهَا بِاسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ، لَكِنَّهُ فِي الحَقِيقَةِ مَوْسِمٌ لِلتَّهْيِئَةِ الرُّوحِيَّةِ وَالِانْتِقَالِ إِلَى فَضَائِلِ الأَعْمَالِ.
سَبَبُ التَّسْمِيَةِ:
سُمِّيَ شَعْبَانُ بِهَذَا الِاسْمِ مِنْ “تَشَعُّبِ” القَبَائِلِ، أَيْ تَفَرُّقِهَا لِلْغَارَةِ أَوْ طَلَبِ المَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ شَهْرِ رَجَبَ الحَرَامِ. وَقِيلَ: لِتَشَعُّبِهِمْ فِي الأسْفَارِ أَوْ فِي الخَيْرِ.
فَضَائِلُ شَعْبَانَ:
- صِيَامُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): كَانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُكْثِرُ الصِّيَامَ فِي شَعْبَانَ، حَتَّى قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).
- لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ (لَيْلَةُ البَرَاءَةِ): تُعَدُّ لَيْلَةُ الخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ مِنَ اللَّيَالِي المُبَارَكَةِ، يُسَمِّيهَا العُلَمَاءُ “لَيْلَةَ البَرَاءَةِ” أَوْ “لَيْلَةَ القِسْمَةِ”، حَيْثُ يُقَدَّرُ فِيهَا أَرْزَاقُ العِبَادِ وَأَعْمَالُهُمْ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).
السُّنَنُ وَالعِبَادَاتُ:
- الصِّيَامُ: يُسْتَحَبُّ صِيَامُ أَيَّامٍ مِنْ شَعْبَانَ، لاسِيَّمَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، اسْتِعْدَادًا لِرَمَضَانَ.
- قِيَامُ اللَّيْلِ: التَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَدُعَاءِ، خُصُوصًا فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ.
- القُرْآنُ وَالذِّكْرُ: الإِكْثَارُ مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ وَالِاسْتِغْفَارِ، لِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ.
- الصَّدَقَةُ: التَّبَرُّعُ بِالصَّدَقَاتِ لِمُوَاسَاةِ الفُقَرَاءِ قُبَيْلَ رَمَضَانَ.
خَوَاتِيمُ:
شَهْرُ شَعْبَانَ جسرٌ وَاصِلٌ بَيْنَ شَهْرَيِ الحُرُمِ وَالشَّهْرِ العَظِيمِ، فَهُوَ فُرْصَةٌ لِمُرَاجَعَةِ النَّفْسِ وَتَجْدِيدِ العَزِيمَةِ. لِذَلِكَ، يَجِبُ اغْتِنَامُ أَيَّامِهِ وَليَالِيهِ بِالطَّاعَاتِ، وَاجْتِنَابُ البِدَعِ وَالخُرَافَاتِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرِيعَةِ. فَهُوَ مَيدَانُ سَبَاقٍ لِلمُسْلِمِ القَادِرِ عَلَى تَحْصِيلِ الأَجْرِ وَالزَّادِ لِرَحْلَةِ رَمَضَانَ.
وَصْلَةٌ خِتَامِيَّةٌ:
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عِمْرَانَ: 133).